تاريخ طبع المصاحف في مصر ومصحف المخللاتي – تاريخ لكن وسيم

تاريخ لكن وسيم

383 subscribers

 مرت طباعة المصاحف في مصر خلال حكم محمد علي باشا وأسرته (1805م - 1952م) بمراحل متعددة من التطور، وكان لها أثرها داخل المجتمع المصري. دخلت المطبعة مصر عام 1798م زمن الحملة الفرنسية وكان اسمها في الإسكندرية المطبعة الشرقية الفرنسية، ولما دخلت القاهرة ووُضِعَت داخل منزل عثمان بك الأشقر في الأزبكية صار اسمها المطبعة الأهلية، وبعدها مغادرة الحملة للأراضي المصرية سنة 1801م اصطحب الفرنسيون المطبعة إلى أراضيهم. لم يطبع الفرنسيون المصحف طيلة وجودهم في مصر، باستثناء كتيب صغير عنوانه -تطبيقات في العربية الفصحى مختارة من القرآن لينتفع بها دارسو العربية-، وبقي حال الطباعة متوقفًا في مصر إلى عصر محمد علي باشا. مع عهد محمد علي باشا وتحديدًا في سبتمبر 1820م شُيِّدَ مبنى المطبعة في بولاق، وبعد عام تم وضع آلات الطبع فيها وتم الانتهاء من كل شيء يخصها في يناير 1822م، لتبدأ عملية الطباعة بين أغسطس وديسمبر من نفس العام. بقي المصحف بعيدًا عن مشاريع الطبع منذ تأسيس مطبعة بولاق طيلة 10 سنوات، وذلك لاعتقاد علماء الأزهر بأن آلات الطبع نجسة ولا يجوز طبع القرآن الكريم بها. - ومع العام 1832م بدأ التفكير في طبع المصحف ونشرت مجلة الوقائع المصرية في 8 يناير 1832م / 4 شعبان 1247هـ ما يفيد بأن محمود أغا ناظر القلمخانة قدم عريضة لمجلس الجهادية التي تتبعها المطبعة، وتفيد أنه سُئِل عن كمية ما يلزم لتلاميذ المدرسة من أجزاء القرآن، وتمت الاستجابة من ناظر الجهادية وكلف عمر أفندي ناظر المهمات بصرف ما يلزم للتلامذة ومن ناحية أخرى، ثم قام محمد علي باشا بتكليف حبيب أفندي بمطالعة آلات الطباعة للتأكد من طهارتها سنة 1833م / 1248هـ، وأصدر الشيخ التميمي مفتي مصر فتواه بأن الطباعة جائزة شرعًا، وتطور الأمر بعدها لدرجة أن تأسست مطبعة للمصحف الشريف في بولاق وتولى رئاستها عبدالرحمن أفندي سنة 1845م / 1260هـ. رغم ذلك التطور الكبير الذي جرى في عصر محمد علي باشا لطبع المصاحف، لكنها كانت مليئة بالأخطاء أو بالأحرى بها مخالفات لعلم الرسمي العثماني. تلك العيوب جعلت الوالي عباس حلمي الأول يصدر قرارًا بمصادرة كل المصاحف المطبوعة ومنع تداولها وإعدامها بناءًا على توصية من علماء الأزهر في مايو 1853م / شعبان 1369هـ؛ لكن لم يتم حرق كل النسخ وإنما تم إيداعها في مخزن وزارة الداخلية. وصل عدد المصاحف المصادرة حتى عهد الوالي محمد سعيد باشا إلى 269 مصحف، ولما أراد في عام 1855م / 1272هـ توزيع مصاحف على تلاميذ المدرسة الحربية سأل علماء الأزهر عن وضع المصاحف المصادرة فأفتوه بجواز تصحيحها وتعديلها، فقام الشيخ عبدالباقي الجاري بتصحيح 150 مصحف حتى يوم 23 مارس 1858م / 8 شعبان 1274هـ، وتصحيح 10 مصاحف في إبريل / رمضان من نفس العام، و57 مصحف ينتهي تصحيحهم في أغسطس من نفس العام / محرم 1275هـ. كما تبين وجود 180 مصحف منقولين عن المصاحف التي بها أخطاء ويملكها الحاج عثمان، بينما يملك شخصًا آخر اسمه الحاج حسن 26 مصحفًا، فأمر الخديوي بتصحيح كل النسخ الموجودة في مصاحفهم على نفقة الدولة، وتوزيع مصاحف أخرى على المدارس والمساجد. دخلت الجهود الذاتية بعد ذلك في طبع المصحف فأصدرت المطبعة البهية في القاهرة والمملوكة لمحمد أبو زيد سنة 1890م / 1308هـ، طبعةً من المصحف كتبها المحقق رضوان بن محمد المشهور بالمخللاتي وقال محمد بن سالم العوفي عنه -التزم المخللاتي بخصائص الرسم العثماني، واعتنى بأماكن الوقوف مميزًا كل وقف بعلامة دالة عليه، التاء للوقف التام، والكاف للكافي، والحاء للحسن، والصاد للصالح، والجيم للجائز، والميم للمفهوم، كما قدّم له بمقدمة ذكر فيها أنه حرر رسمه وضبطه على ما في كتاب المقنع للإمام الداني، وكتاب التنزيل لأبي داود، ولخص فيها تاريخ كتابة القرآن في العهد النبوي، وجمْعه في عهدَي أبي بكر وعثمان، كما لخص فيها مباحث الرسم والضبط، وكان المقدم على غيره من المصاحف-. لكن عيب مصحف المخللاتي أن رداءة ورقه، وسوء طباعته الحجرية، دفعت مشيخة الأزهر إلى تكوين لجنة تضم: الشيخ محمد علي خلف الحسيني، الشهير بالحداد، والأساتذة: حفني ناصف، ومصطفى عناني، وأحمد الإسكندري؛ للنظر فيه، وفي ما ظهر من هنات في رسمه وضبطه، فكُتب مصحف بخط الشيخ محمد علي خلف الحسيني، على قواعد الرسم العثماني، وضُبط على ما يوافق رواية حفص عن عاصم، على حسب ما ورد في كتاب الطراز على ضبط الخراز للتَّنَسي، مع إبدال علامات الأندلسيين والمغاربة، بعلامات الخليل بن أحمد وتلاميذه من المشارقة، وظهرت الطبعة الأولى منه عام 1923م / 1342هـ، فتلقاها العالم الإسلامي بالرضا والقبول.

تاريخ طبع المصاحف في مصر ومصحف المخللاتي – تاريخ لكن وسيم

تاريخ لكن وسيم

383 subscribers

 مرت طباعة المصاحف في مصر خلال حكم محمد علي باشا وأسرته (1805م - 1952م) بمراحل متعددة من التطور، وكان لها أثرها داخل المجتمع المصري. دخلت المطبعة مصر عام 1798م زمن الحملة الفرنسية وكان اسمها في الإسكندرية المطبعة الشرقية الفرنسية، ولما دخلت القاهرة ووُضِعَت داخل منزل عثمان بك الأشقر في الأزبكية صار اسمها المطبعة الأهلية، وبعدها مغادرة الحملة للأراضي المصرية سنة 1801م اصطحب الفرنسيون المطبعة إلى أراضيهم. لم يطبع الفرنسيون المصحف طيلة وجودهم في مصر، باستثناء كتيب صغير عنوانه -تطبيقات في العربية الفصحى مختارة من القرآن لينتفع بها دارسو العربية-، وبقي حال الطباعة متوقفًا في مصر إلى عصر محمد علي باشا. مع عهد محمد علي باشا وتحديدًا في سبتمبر 1820م شُيِّدَ مبنى المطبعة في بولاق، وبعد عام تم وضع آلات الطبع فيها وتم الانتهاء من كل شيء يخصها في يناير 1822م، لتبدأ عملية الطباعة بين أغسطس وديسمبر من نفس العام. بقي المصحف بعيدًا عن مشاريع الطبع منذ تأسيس مطبعة بولاق طيلة 10 سنوات، وذلك لاعتقاد علماء الأزهر بأن آلات الطبع نجسة ولا يجوز طبع القرآن الكريم بها. - ومع العام 1832م بدأ التفكير في طبع المصحف ونشرت مجلة الوقائع المصرية في 8 يناير 1832م / 4 شعبان 1247هـ ما يفيد بأن محمود أغا ناظر القلمخانة قدم عريضة لمجلس الجهادية التي تتبعها المطبعة، وتفيد أنه سُئِل عن كمية ما يلزم لتلاميذ المدرسة من أجزاء القرآن، وتمت الاستجابة من ناظر الجهادية وكلف عمر أفندي ناظر المهمات بصرف ما يلزم للتلامذة ومن ناحية أخرى، ثم قام محمد علي باشا بتكليف حبيب أفندي بمطالعة آلات الطباعة للتأكد من طهارتها سنة 1833م / 1248هـ، وأصدر الشيخ التميمي مفتي مصر فتواه بأن الطباعة جائزة شرعًا، وتطور الأمر بعدها لدرجة أن تأسست مطبعة للمصحف الشريف في بولاق وتولى رئاستها عبدالرحمن أفندي سنة 1845م / 1260هـ. رغم ذلك التطور الكبير الذي جرى في عصر محمد علي باشا لطبع المصاحف، لكنها كانت مليئة بالأخطاء أو بالأحرى بها مخالفات لعلم الرسمي العثماني. تلك العيوب جعلت الوالي عباس حلمي الأول يصدر قرارًا بمصادرة كل المصاحف المطبوعة ومنع تداولها وإعدامها بناءًا على توصية من علماء الأزهر في مايو 1853م / شعبان 1369هـ؛ لكن لم يتم حرق كل النسخ وإنما تم إيداعها في مخزن وزارة الداخلية. وصل عدد المصاحف المصادرة حتى عهد الوالي محمد سعيد باشا إلى 269 مصحف، ولما أراد في عام 1855م / 1272هـ توزيع مصاحف على تلاميذ المدرسة الحربية سأل علماء الأزهر عن وضع المصاحف المصادرة فأفتوه بجواز تصحيحها وتعديلها، فقام الشيخ عبدالباقي الجاري بتصحيح 150 مصحف حتى يوم 23 مارس 1858م / 8 شعبان 1274هـ، وتصحيح 10 مصاحف في إبريل / رمضان من نفس العام، و57 مصحف ينتهي تصحيحهم في أغسطس من نفس العام / محرم 1275هـ. كما تبين وجود 180 مصحف منقولين عن المصاحف التي بها أخطاء ويملكها الحاج عثمان، بينما يملك شخصًا آخر اسمه الحاج حسن 26 مصحفًا، فأمر الخديوي بتصحيح كل النسخ الموجودة في مصاحفهم على نفقة الدولة، وتوزيع مصاحف أخرى على المدارس والمساجد. دخلت الجهود الذاتية بعد ذلك في طبع المصحف فأصدرت المطبعة البهية في القاهرة والمملوكة لمحمد أبو زيد سنة 1890م / 1308هـ، طبعةً من المصحف كتبها المحقق رضوان بن محمد المشهور بالمخللاتي وقال محمد بن سالم العوفي عنه -التزم المخللاتي بخصائص الرسم العثماني، واعتنى بأماكن الوقوف مميزًا كل وقف بعلامة دالة عليه، التاء للوقف التام، والكاف للكافي، والحاء للحسن، والصاد للصالح، والجيم للجائز، والميم للمفهوم، كما قدّم له بمقدمة ذكر فيها أنه حرر رسمه وضبطه على ما في كتاب المقنع للإمام الداني، وكتاب التنزيل لأبي داود، ولخص فيها تاريخ كتابة القرآن في العهد النبوي، وجمْعه في عهدَي أبي بكر وعثمان، كما لخص فيها مباحث الرسم والضبط، وكان المقدم على غيره من المصاحف-. لكن عيب مصحف المخللاتي أن رداءة ورقه، وسوء طباعته الحجرية، دفعت مشيخة الأزهر إلى تكوين لجنة تضم: الشيخ محمد علي خلف الحسيني، الشهير بالحداد، والأساتذة: حفني ناصف، ومصطفى عناني، وأحمد الإسكندري؛ للنظر فيه، وفي ما ظهر من هنات في رسمه وضبطه، فكُتب مصحف بخط الشيخ محمد علي خلف الحسيني، على قواعد الرسم العثماني، وضُبط على ما يوافق رواية حفص عن عاصم، على حسب ما ورد في كتاب الطراز على ضبط الخراز للتَّنَسي، مع إبدال علامات الأندلسيين والمغاربة، بعلامات الخليل بن أحمد وتلاميذه من المشارقة، وظهرت الطبعة الأولى منه عام 1923م / 1342هـ، فتلقاها العالم الإسلامي بالرضا والقبول.

Next Prev
0:00 / 0:00

Playback Speed

x1


0.5x

1.5x

1x